نحن مجموعة من الشباب ندرس في إحدى الجامعات، وكان من بيننا صديقٌ عزيزٌ يقال له محمد. كان محمد يحيي لنا السهرات، ويجيد العزف على النّاي حتى تطرب عظامنا.
والمتفق عليه عندنا أن سهرة بدون محمد سهرةٌ ميتة لا أنس فيها.
مضت الأيام على هذا الحال. وفي يوم من الأيام جاء محمد إلى الجامعة، وقد تغيّرت ملامحه ظهر عليه آثار السكينة والخشوع فجئت إليه أحدّثه فقلت: يا محمد ماذا بك؟ كأن الوجه غير الوجه. فرد محمد على الشاب بلهجة عزيزة وقال:
طلّقت الضياع والخراب، وإني تائبٌ إلى الله.
فقال له الشاب: على العموم عندنا الليلة سهرة لا تفوَّت، وسيكون عندنا ضيفٌ تحبه إنه المطرب الفلاني.
فرد ّ محمد عليه: أرجو أن تعذرني فقد قررت أن أقاطع هذه الجلسات الضائعة فجنّ جنون هذا الشاب وبدأ يرعد ويزبد.
فقال له محمد:
اسمع يا فلان. كم بقي من عمرك؟ ها أنت تعيش في قوة بدنية وعقلية. وتعيش حيوية الشباب فإلى متى تبقى مذنباً غارقاً في المعاصي؟!
لم لا تغتنم هذا العمر في أعمال الخير والطّاعات؟ وواصل محمد الوعظ بباقة من النصائح الجميلة. من قلبٍ صادق من محمد التائب. يا فلان إلى متى تسوّف؟ لا صلاة لربك ولا عبادة. أما تدري أنك قد تموت اليوم أو غداً. كم من مغترٍ بشبابه وملك الموت عند بابه كم من مغتر عن أمره منتظراً فراغ شهره، وقد آن انصرام عمره.
كم من غارقٍ في لهوه وأنسه وما شعر أنه قد دنا غروب شمسه.
يقول هذا الشاب: وتفرقنا على ذلك وكان من الغد دخول شهر رمضان. وفي ثاني أيام رمضان ذهبت إلى الجامعة لحضور محاضرات السبت فوجدت الشباب قد تغيّرت وجوههم. قلت: ما بالكم؟ قال أحدهم:
محمدٌ بالأمس خرج من صلاة الجمعة فصدمته سيارة مسرعة.. لا إله إلا الله توفاه الله وهو صائم مصلٍّ، الله أكبر ما أجملها من خاتمة!
قال الشاب: صلينا على محمد في عصر ذلك اليوم وأهلْنَا عليه التراب، وكان منظراً مؤثراً