نساء عربيات في قطار الجاسوسية
تدخل وزير الخارجية الأمريكي السابق “هنري كيسنجر” وحاول ان يرجو الرئيس السادات لتخفيف الحكم عنها وكانت وقتها مسجونة في حبس انفرادي فأمر السادات باعدامها فورا خوفا من تعطيل عملية السلام
.
هي ابنة وكيل وزارة التربية والتعليم فى ذلك الوقت وولدت في أسرة ميسورة وفي حي المهندسين الراقي بالقاهرة وكانت عضوا في نادي الجزيرة الشهير ووقتها ورثت الشعور بالخيبة اثر نكسة 1967 وفقدت الثقة بالعرب وشعرت ان المستقبل كله ل “اسرائيل”.
وبعد ان حصلت على الثانوية العامة أصرت على استكمال دراستها الجامعية في فرنسا ولأنها درست الفرنسية منذ صغرها كان من السهل عليها التأقلم مع جو باريس المفتوح وأحبت نمط الحياة بها وفي الجامعة تعرفت إلى فتاة يهودية من اصل بولندي بدورها عرفتها إلى مجموعة من الشباب اليهود الذين صوروا لها ان الحياة في “اسرائيل” ليست بالصورة التي يروج لها الاعلام العربي بل انها “جنة الله على الأرض” وهي “الديمقراطية الخالصة”. وفي ظل روح الانهزام وفقدان الايمان بالعرب وامكانية انتصارهم على العدو اليهودي شعرت هبة سليم بميل تجاه اسرائيل” التي مثلت في نظرها المستقبل القوي والمأمون، ومن خلال تلك المجموعة من الأصدقاء اليهود تعرفت إلى أحد ضباط الموساد الذي سرعان ما تمكن من تجنيدها وخاصة بعد أن علم ان هناك شاباً مصرياً كان يحمل لها قدراً كبيراً من الاعجاب وحاول دوما التودد إليها ولكنها كانت دائما لا تعطيه أي اهتمام وان هذا الشاب يعمل في جهة مهمة في القوات المسلحة المصرية. ورتب ضابط الموساد مع عميلته الجديدة خطة لاصطياد هذا الشاب وهو المقدم فاروق عبد الحميد الفقي وتجنيده لصالح الموساد هو الآخر من خلال استغلالها لحبه واعجابه الشديد بها وكان هذا بالفعل هو أول ما قامت به في أول اجازة قضتها في مصر، اذ تلاعبت به وحاولت استقطابه بشتى الوسائل الأنثوية حتى تمت خطبتهما. ومن خلاله تمكنت من معرفة عدة تفاصيل عن الأسرار العسكرية المصرية بل انه أمدها بخرائط عن بعض المنشآت العسكرية المهمة وقواعد الصواريخ في اطار تباهيه بأهمية منصبه في البداية وتمكنت هبة من تصوير كل هذه التفاصيل وحملتها معها عند عودتها الى باريس مرة أخرى حيث قدمتها لضابط الموساد الذي طار فرحا بما قدمته له من كنز كبير لم يتوقعه .
وسرعان ما وقع الضابط في هوى الجاسوسة هبة واصبح هو الآخر جاسوساً للموساد ويقدم طوعا المعلومات الحساسة عن منصات اطلاق الصواريخ خاصة طراز سام 6 المضادة للطائرات والتي تمكن “الاسرائيليون” بناء على هذه المعلومات من تدميرها.
ووسط حزن ودهشة ضباط الجيش المصري أدرك جهاز المخابرات في مصر ان هناك جاسوساً عسكرياً مصرياً هو الذي قدم ل “اسرائيل” تلك المعلومات المهمة وبدأت حملة تفتيش ومراقبة ضخمة شملت حتى وزير الدفاع المصري.
وفي ذلك الوقت كافأت الموساد هبة سليم برحلة لزيارة تل أبيب وخلالها قابلت جولدا مائير رئيسة الوزراء التي استقبلتها بكل ترحاب وتكريم.
بعد تلك الرحلة أدركت المخابرات المصرية العميل المصري المزروع داخل جهازها العسكري ومنه تمكنت من معرفة قصة تجنيده والتلاعب الذي حدث له على يد خطيبته هبه سليم وسرعان ما ألقي القبض عليها في باريس اثر عودتها من زيارتها الى “اسرائيل” وفي رحلة عودتها الى مصر حاول الموساد اختطاف الطائرة التي كانت هبة سليم تستقلها وذلك في 21 فبراير/شباط 1973 عن طريق التشويش على أجهزة الطائرة حتى تفقد اتجاهها وتسقط وهي تحمل عميلتها التي تعرف الكثير من الأسرار ولكن الموساد أسقط بدلا من الطائرة المصرية الطائرة الليبية بوينج 747 في حين عادت الطائرة التي تحمل هبة سليم الى مصر بعد ان استخدم الطيار ممراً آخر سرياً. وفي مصر لقيت مصيرها الأخير والمنتظر لمن خان بلده وهو الإعدام على الرغم من توسط جولدا مائير بنفسها لتخفيفه.
علا قة شاذة
جاسوسة أخرى عربية مشهورة جندها الموساد هي أمينة المفتي من اصل شركسي مسلم وابنة أسرة ثرية عاشت في الأردن في أرقى ضواحي العاصمة عمان كان والدها تاجر مجوهرات ثرياً وعمها لواء في الجيش الأردني ووالدتها إحدى أبرز سيدات المجتمع .
ولدت عام 1939 وهي الابنة الصغرى ويسبقها شقيقتان وثلاثة أشقاء وكانت في مطلع شبابها فتاة جميلة ونضرة اعتادت الدلال وحياة الأثرياء ولكنها تعرفت إلى شاب فلسطيني الأصل سرعان ما تخلى عنها بسبب غرورها وطباعها السيئة ويبدو ان هذا كان من بين الأسباب التي أورثتها حقدا دفينا على الفلسطينيين . وإثر تخرجها في المدرسة الثانوية التحقت بإحدى جامعات فيينا لاستكمال دراستها الجامعية عام 1956 وهناك تعرفت إلى فتاة تدعى جولي باتريك شجعتها على العلاقة الشاذة حتى أدمنت عليها وسرعان ما تعددت علاقاتها بالفتيات الأخريات في بيت الطالبات المغتربات في فيينا. وفي عام 1961 حصلت على درجة جامعية في الطب النفسي وعادت مرة أخرى الى عمان التي سرعان ما ضاقت بها وقررت السفر الى النمسا مرة أخرى بدعوى الحصول على درجة الدكتوراه في مجال تخصصها .وتعرفت خلال تلك الفترة الى فتاة يهودية تدعى سارة بيراد التي عرفتها على شقيقها الأكبر موشيه وسرعان ما وقعت في حبه. وكان طياراً عسكرياً يكبرها بسبع سنوات وكانت وقتها في حوالي الثانية والعشرين. وقضت معه فترة اقامتها هذه المرة في النمسا وعادت الى أهلها بشهادة دكتوراه مزيفة عام 1966 وبعد وقوع مشاكل لها في أحد مستشفيات الأردن كادت ان تكشف ان شهادتها مزورة عاودت السفر مرة أخرى الى النمسا حيث التقت حبيبها موشيه مرة أخرى وهي تشعر بالرفض الداخلي للعودة لبلدها مرة أخرى . وسرعان ما وقعت نكسة 1967 فزاد نفورها من العرب ومن بلدها وقررت ان تحيا أبدا في النمسا وان تتزوج موشيه وتعتنق اليهودية ليصبح اسمها آني موشيه بيراد .
وفي عام 1972 قررت مع زوجها السفر الى “اسرائيل” وتطوعا في الجيش “الاسرائيلي” وهناك بمجرد ان علمت الاستخبارات “الاسرائيلية” اصلها قررت ان تستجوبها في مقابلة طويلة تمكنت منها ان تعرف رأيها في الفلسطينيين وفي العرب وكيف أنها تكره بلدها الأم وترى ان الفلسطينيين ارهابيون وان الملك “حسين” اخطأ عندما لم يقتلهم جميعا وهكذا لاقت ترحيباً من الموساد الذي شعر بفرحة للمواطنة “الاسرائيلية” الجديدة.
وفي يناير/كانون الثاني 1973 قيل لها ان زوجها انفجرت طائرته في الجبهة السورية بعد ان كان تقلد رتبة رائد طيار في سلاح الجو “الاسرائيلي”. ولكنها أصرت على انه لم يمت ولكن السوريين أسروه. وخلال تلك الفترة العصيبة تفاقم كرهها للعرب وشعرت انهم هم الذين خطفوا منها زوجها وهكذا قررت السفر الى بيروت لتقصي أخباره ولكنها في النهاية اقتنعت انه بالفعل قد مات وبقي ان تستلم إرثه الكبير، وكانت الظروف مناسبة في تلك الفترة ليجندها الموساد لأنها كانت تشعر بغضب وكراهية شديدة ضد العرب وخلال تلك الفترة تلقت تدريبا مكثفا على التجسس وأدواته المختلفة وزرعت في لبنان للتجسس على الفلسطينيين ورجال المنظمات الفلسطينية والمقاومة. وكانت تعرفت من قبل إلى صديقة أردنية في بيروت صاحبة محل للملابس تدعى خديجة زهران والتقت بها هذه المرة أيضا وطلبت منها ان تساعدها في ايصال خط لهاتف شقتها في حي الروشة في بيروت. ومن خلال مارون الحايك الموظف الكبير في ادارة الهواتف في لبنان تمكنت من معرفة أرقام هواتف القادة الفلسطينيين في لبنان وعناوينهم أرسلتها بدورها الى عملاء الموساد في بيروت وتمكنت فيما بعد من تجنيده هو أيضا للحصول على أرقام هواتف القادة الفلسطينيين السرية وفيما بعد بدأ يتنصت لحسابها أو لحساب الموساد على مكالمات هؤلاء القادة ومنهم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وتمكنت أيضا من تجنيد خديجة زهران التي ساعدتها من خلال مصادقة زوجات القادة الفلسطينيين واستدراجهن للحديث عن أسرار أزواجهن وهكذا توسعت الشبكة التي أدارتها أمينة المفتي في بيروت للتجسس لصالح الموساد ومن خلالها تمكنت من مد الموساد برصد لمراكب وسفن الصيد التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية على موانئ صيدا ورأس شكا في جنوب وشمال لبنان والتي كانت تستخدم للهجوم البحري على “اسرائيل” التي تمكنت بذلك من تدميرها أخيرا كشفت أمينة المفتي وشبكتها التجسسية في بيروت وألقى الفلسطينيون القبض عليها وسجنت في كهف السعرانة في جنوب لبنان. وكان الرئيس الراحل عرفات قرر الابقاء عليها في كهف السعرانة لحين البت في أمرها رافضا فكرة اعدامها وهكذا مرت خمس سنوات على سجنها وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1979 أجرت منظمة الصليب الأحمر محاولات مع منظمة التحرير للافراج عن أمينة المفتي في حين عرضت “اسرائيل” استبدالها بأسرى فلسطينيين .ووافقت قبرص على ان تتم عملية المبادلة في أراضيها وكان ذلك في يوم 13 فبراير/شباط 1980.